أنا سميح جبران، مهندس حواسيب ورائد أعمال، ولكن هويتي الحقيقية تكمن في كوني مدرب حركة ومؤسس ‘مختبرات القرد الداخلي’. في رحلتي هذه، شهدت تحولًا ملحوظًا من كوني موظف مكتبي خامل، محب للرياضة لكن متوسط الأداء ومثقل بالإصابات، إلى أن أصبحت رياضيًا محترفًا، بجسد قوي ومرن وأكثر متوازن حتى في مرحلة متقدمة من العمر بجيل 27. اليوم، أشعر بالحماس لمشاركة هذه الرحلة معكم.
منذ البداية، كانت الرياضة جزءًا لا يتجزأ من حياتي، وكنت دائمًا أهتم بمظهري وقدراتي الجسدية. ولكن، بين مشاغل الدراسة وضغوط العمل، بدأ جسدي يشكل عائقًا أمام طموحاتي الرياضية. ابتعدت عن تمارين الضغط بسبب آلام الكوع المستمرة، وتجنبت الجري والمشي لمسافات طويلة خوفًا من آلام الركبة التي ظلت تلازمني لسنوات. كنت أعتقد أنني قوي، لكن الحقيقة كانت مختلفة؛ جسدي كان أضعف بكثير مما تخيلت.
الطفولة
منذ نعومة أظافري، كان حبي للحركة والحواسيب جزءًا لا يتجزأ مني. كنت أقضي ساعات ألعب في ساحة منزلنا، أتسلق الأشجار والجدران، ثم أنتقل لقضاء ساعات طويلة أمام الشاشة. برغم مشاركتي في العديد من الأنشطة الرياضية خلال طفولتي مثل الكاراتيه، الباليه، والجمباز، لم أستمر في أي منها. فقد تعرضت لصدمة عائلية عميقة بوفاة أختي ريحان في عام 2002، عندما كنت في الصف الثالث. كانت وفاتها نقطة تحول مؤلمة في حياتنا، واعتقد والداي في البداية أن الجمباز كان سببًا في ذلك. تبين فيما بعد أن وفاتها كانت نتيجة حالة صحية نادرة، لكن ذلك الحدث قلل من نشاطاتي الرياضية.
مع مرور الوقت، واصلت اللعب في الساحة. بحلول عام 2007، بدأت بمشاهدة فيديوهات الباركور، تمارين الشوارع، والبريك دانس على اليوتيوب، وكنت مصممًا على تعلم كل ما يمكنني، رغم فشلي المتكرر. في تلك الفترة، دخلت المرحلة الثانوية وبدأت مرحلة المراهقة، حيث كان أولاد صفي يرتادون الصالات الرياضية ويعملون على تطوير أجسادهم. أما أنا، فلم أتمكن من الانضمام إلى النادي الرياضي قبل إنهاء المدرسة بسبب بُعده وتكلفته المرتفعة، ولم أرغب في أن أكون عبءًا ماديًا على عائلتي. وجدت حلًا في برنامج تدريب بوزن الجسم على اليوتيوب، والذي اتبعته بحب وشغف. بدأت أيضًا في تنظيم نظامي الغذائي، وبذلت جهدًا مستمرًا للحصول على عضلات بطن مشدودة.
التدهور
في عام 2010، اختتمت فصلاً مهمًا في حياتي مع التخرج من المدرسة وأضواء حلم جديد تلمع في عيني. بحلول عام 2011، بدأت مغامرة جديدة في المعهد التقني التخنيون بحيفا، حيث انغمست في عالم هندسة الحواسيب. هذا الفصل الجديد فتح أمامي أبوابًا كثيرة، أبرزها صالة الرياضة الضخمة في المعهد التي كانت بمثابة ملاذ بتكلفة رمزية. كنت أزورها باستمرار، موازنًا بين ضغوط الدراسة وشغفي بالرياضة.
ومع ذلك، مع تقدم الوقت، أصبحت ساعاتي أمام الحاسوب تطغى على يومي، مما أثر سلبًا على تنوع حركتي. في عام 2013، أثناء جريي لمسافة 10 كيلومترات، ضربني ألم حاد في الركبة. هذه اللحظة محفورة في ذاكرتي؛ كيف عدت إلى شقتي متألمًا بكل خطوة، متسائلاً في حيرة، ‘ألم يكن من المفترض أن أكون في أفضل حالاتي البدنية؟’
كان هذا الألم بداية مرحلة جديدة. بدأت رحلتي في البحث عن أسباب وحلول لمشاكل الركبة وتأثير نمط الحياة الحديث على الجسد. ألهمني كتاب ‘Born to Run’ لكريستوفر ماكدوغال لاستكشاف عالم الركض الحافي وتدريباته. كنت أظن أنني وجدت الحل الأمثل، لكن مع الوقت، بدأت أعراض التدهور تظهر في جسدي، من آلام الظهر المتزايدة إلى الأرق الليلي، مما جعلني أدرك أن الطريق إلى الشفاء لن يكون سهلاً كما توقعت.
في تلك المرحلة، بدأت أتبنى فكرة الركض الحافي، متأثرًا بالنظريات التي قرأتها. لكنني واجهت عقبة لم أتوقعها – تكلفة الأحذية الخاصة بالركض الحافي كانت باهظة. لم أدع هذا يثني عزيمتي؛ ففي طريق الابتكار، وجدت نفسي أركض بالشباشب! ربما كان منظرًا غريبًا للعابرين، لكن لي صورة طريفة من تلك الأيام تظهرني وأنا أركض بهذه الطريقة المضحكة بعض الشيء. كانت لحظات مثل هذه تعكس حماسي واستعدادي لتجربة أي شيء يمكن أن يساعد في تحسين حالتي الجسدية والتغلب على التحديات.
وقد راح يزداد الوضع سوءاً، كان جسدي يصبح أكثر هشاشة. بسنة 2016 شاركت مع أصدقائي مسار مشي من جبل الطور الواقع بجانب الناصرة. بدأنا المسار من القمة محملين بكميات من المعدات التي لسنا بحاجتها ولكن كمبتدئين بعالم الهايكينج، لم نكن ندرك ذلك. بدأنا بالنزول من القمة، إستغرق النزول قريب الثلاث ساعات. بمنتصف الطريق بدأت أشعر بآلم جمة بالركبة، وعند نزول الجبل كانت قد اشتدت الأوجاع اكثر فأثر، اكملنا الطريق مع كل الأوجاع ووصلنا لمكان المبيت. باليوم الثاني عند الإنطلاق، حاولت البدء بالمشي، ولكن الأوجاع طغت علي. استقلت من المسار، مع كبرياء مجروح واكملوا اصدقائي المسار من دوني. لماذا انا؟ كيف أنا أكثر شخص رياضي بينهم جميعاً، تحدث لي هذه الأوجاع ولا تحدث لهم؟
لم أفهم ما يحدث لي وقتها والتجأت الى الطبيب. لم تكن آمالي كبيرة به ولكن لربما، لربما لديه حل سحري او تشخيص لحالتي. ذهبت الى طبيب مختص بالعظام والرياضة. استقبلني وقام بفحصي، خلال أقل من 5 دقائق اتمم كل شيء وقال لي، ليس هنالك شيء، انت تبدوا على ما يرام. من جهة واحدة كنت جداً سعيد أني ابدو صحي ولكن من جهة أخرى، كنت اعرف ان جسمي ضعيف وانه ليس على ما يرام. لم أقتنع بهذه الإجابة، فسألته أليس هنالك حاجة لأن أذهب الى الفيزيوثيرابيست؟ قال لي لا، ليس هناك داعي. انت فقط بحاجة لتقوية رجليك. فسألته كيف؟ ارشدني لتمرين للأرجل وانهينا اللقاء.
استمرت الأوجاع وبدأت اوجاع جديدة بالكاحل وبالكوع. كنت بتلك الفترة قد بدأت بممارسة رياضة التسلق أكثر واكثر. ومعها، بدأت اوجاع الكوع، وتحديداً ال Golfer’s elbow كانت الأوجاع ليست فقط عند ممارسة الرياضة وبدأت بالشعور بها أيضاً في عملي على الحاسوب. عند إستخدام الكيبورد والماوس.
فألتجأت للجلوس على كراسي خاصة، واستعمال كيبورد وماوس خاص وايضاً جهاز لتغيير ارتفاع الشاشة ليتناسب مع ارتفاع العين.
بال 2018 كنت قد بدأت بممارسة رياضة الكروسفيت. الكروسفيت رياضة ممتازة لكنها قد تكون عبىء على جسم غير جاهز. مع هذا، كان الكروسفيت ممتاز. فقط كنت أتمرن بالأحذية الحافية ولا ارفع اوزان ثقيلة. وكنت اعير انتباه كبير لوضعية ظهري والمحافظة على الركب بتمارين السكوات.
القشة التي قسمت ظهر البعير
بعد ستة أشهر متواصلة من التدريبات المكثفة في الكروسفيت، وجدت نفسي عند مفترق طرق في حياتي. لقد أنهيت عملي القديم وكنت على أعتاب البدء في مغامرة عمل جديدة. اغتنمت هذه الفترة الانتقالية لاستكشاف العالم، وسرعان ما وجدت نفسي في تشيلي، وتحديدًا على مسار توريس دي بايني الشهير.
بدأت المسار بحماس، ولكن خلال أقل من ساعة، اجتاحني ألم حاد في الركبة، تبعه قريبًا ألم مماثل في الركبة الأخرى. كان الألم شديدًا لدرجة أنني فكرت جديًا في الاستسلام. لكن، بين إرادة العزيمة وتحدي القدر، قررت الاستمرار. وبفضل العزم والتصميم، تمكنت من إتمام المسار، على الرغم من الألم. تطلب الأمر مني بعد ذلك أسبوعين كاملين للتعافي من الأوجاع الحادة التي تعرضت لها.
النقلة النوعية
بعد عودتي إلى الوطن، واجهت نقطة تحول حاسمة في رحلتي. في 15 فبراير 2019، اتخذت خطوة مهمة بالتسجيل في برنامج تدريبي عبر الإنترنت، والذي فتح أمامي آفاقًا جديدة في فهم وتقدير جسدي. هذا البرنامج لم يساعدني فقط على تغيير نمط تماريني، بل أيضًا عزز تواصلي مع جسمي وبناء وعي جسدي أقوى. بدأت في ممارسة ‘فن الحركة’ وغمرت نفسي في التعلم من خلال برامج تعليمية متعددة. تعمقت في دراسة العلاقة بين كف القدم والحوض وتأثيرها على حركة الجسم ككل، وكيف تتكامل هذه الحركات في المشي.
في غضون أشهر قليلة، شهدت تغييرًا جذريًا. تحول جسمي وقدرتي على الحركة تحسنت بشكل ملحوظ، وهذا التطور مستمر حتى اليوم.
أدركت أنه حتى في سن السابعة والعشرين، لم يكن فوات الأوان لإحداث تغيير جذري في جسدي ولياقتي. الآن وأنا في الواحدة والثلاثين من عمري، جسمي في أفضل حالاته على الإطلاق. لأي شخص يشك في قدرته على تحويل جسمه وتحسين حركته، حتى في سن متقدمة، أقول لك: إنه ممكن. جسمك قابل للتأقلم والنمو والتجدد. كل ما عليك فعله هو توفير البيئة المناسبة لتنميته وتعزيز قدراته.
حرية الحركة ممكنة،
أنت تستطيع بناء الجسد اللذي تريد.
أنت فقط بحاجة للمعرفة والتطبيق
بإستمرار
0 تعليق